إستقلال الذمة المالية للمرأة

تتمتع المرأة بذمة مالية مستقلة مثلها مثل الرجل ،فهي لها الحق بالقيام بكافة المعاملات التي من شأنها اثراء هذه الذمة .وبذلك يكون الإسلام سباقاً على غير من الشرائع الأخرى، وسبق القوانين الغربية في اعترافه للزوجة بحقوقها المالية لتحقيق الكيان البشري والإقتصادي والإجتماعي داخل الأسرة والمجتمع على حد سواء .ومن المعلوم بأن المبادئ الأساسية المعمول بها في هذا الشأن هو استقلال كل زوج في ذمته المالية عن زوجته لقوله تعالى "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ".وقوله "فإن طبن لكم عن شيء منه فلكوه هنيئا مريئا".

  • ما هي الذمة المالية للمرأة ؟

تعرف الذمة المالية في القوانين الوضعية هي ما للشخص من حقوق مالية وما عليه من التزامات سواء تواجدت فعليا أو في المستقبل .وبعبارة أخرى فهي جميع الحقوق المالية المنقولة و غير المنقولة والمادية التي تمتلكها المرأة ،والتي تحصل عليها من أجور عقارات أو أية ملكية تخصها سواء حققتها هي بالعمل أو بالإرث ،إضافة لرواتبها بالعمل إن كانت عاملة .

لقد اعترف القانون الأساسي الفلسطيني بوجود ذمة مالية مستقلة للمرأة فهو لم يفرق بين الرجل و المرأة في هذا الجانب و أطلق عليهما لفظ شخص ،بحيث جعل لكل شخص ذمة مالية مستقلة بغض النظر سواء أكان ذكر أم أنثى بشرط عدم توافر أي عارض من عوارض الأهلية . 

و من أهم آثار استقلال الذمة المالية للمرأة احتفاظها بملكيتها المستقلة التي تسمح لها بإستعمال واستغلال والتصرف في اموالها كما يحلو لها ،مع ابقاء الرجل ملزما بأداء النفقة الزوجية كقاعدة عامة ،أما المهر والهدايا والهبات والوصية والميراث الذي تحصل عليه بعد الزواج فهو ملكية خاصة بها تتصرف فيه بإرادتها ،بالإضافة الى احتفاظها بالأموال الناتجة عن العمل و التجارة بعد الزواج .

  • ما هي الأسباب والدوافع التي أسهمت في انتهاك الذمة المالية للمرأة ؟

على الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة بوجه عام في استقلاليتها المالية ،الا أن هنالك نساء كثيرات ما زلن يعانين من العنف والإستغلال الإقتصادي داخل الأسرة ،والواقع بأن عدم تمكين المرأة من التصرف في أموالها وأجرها يمكن أن يؤدي الى زيادة خطورة تعرضها لأنواع أخرى من العنف سواء اللفظي أو الجسدي وحتى الجنسي، ومما لا شك فيه أن ثمة أسباب كثيرة ودوافع أكثر أسهمت بشكل كبير على إنتهاك الذمة المالية للمرأة ،وساعدت على اثرائها ووجودها وتناميها ومن بينها:-

1- أن المشرع الفلسطيني لم يحسم مسألة النظام المالي للمتزوجين ،ولم يقر صراحة بحق الزوجين في ذمة مالية مستقلة عن الآخروكيفية تنظيم الملكية المشتركة ما بين الزوجين تاركا المسألة لحرية الاتفاق بينهما،على الرغم من أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سعت الى تحقيق مساواة نموذجية بين الجنسين في الحقوق و الواجبات، فعالجت بإسهاب الحقوق الأسرية للمرأة للقضاء على التمييز ضدهما وبوجه خاص ضمان تمتعها بنفس الحقوق للزوج فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات و الاشراف عليها و إدراتها .

2- العوامل القانونية التي تعتبر المرأة في أهلية قانونية أقل من الرجل سواء بالقوانين المعمول بها في فلسطين أو من خلال العرف والعادات والتقاليد المتداولة، والقوانين المتعلقة بالنفقة والميراث .

3-عدم انشاء قانون اجرائي خاص بالمنازعات المالية داخل الأسرة لما لها من أهمية في حماية حقوق المتقاضين ،وتسهيل لمهمة القاضي في هذا المجال بدلا من البحث في اجراءات التقاضي المبعثرة في طيات القوانين الأخرى.

4- عدم الوعي الحقيقي في بعض الحقوق والواجبات ،أدى الى ظهور العنف كأحد حقائق العصر والذي أصبح يهدد أمن المرأة واستقرارها الإجتماعي والنفسي من انتهاك أدميتها وكرامتها واحترامها لذاتها ،بحيث يعتبر العنف الإقتصادي هو أحد أشكال العنف الأسري.

وأخيرا نود الإشارة الى أن هذا الموضوع في السنوات الأخيرة  شهد اهتماما ملحوظاً وكبيراً من قبل مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية ، و تحديداً جمعية تنظيم و حماية الأسرة الفلسطينية فيما يتعلق بتفعيل دور المرأة في المجتمع والحرص على تمكينها من حقوقها وتوعيتها بواجباتها ومسؤولياتها، من خلال توفير الظروف المناسبة لها لتمكينها من القيام بدورها الأساسي في بناء المجتمع و تحقيق تقدمه وازدهاره .هذا و بالإضافة الى دور الجمعية في العمل على تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال تدريبها على بعض المهن و اكسابها لبعض المهارات التي تمكنها من توفير مصدر دخل خاص بها. والاسهام بضرورة وجود سياسات وتشريعات تضمن حقوق المرأة على صعيد العمل والأسرة والمجتمع من خلال القوانين الناظمة لها في فلسطين .